الإغلاق الحكومي الأمريكي الأطول: تداعيات تزلزل الاقتصاد العالمي
بقلم / حمادة ربيع أبو اذدحمد
يُسجّل الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة رقماً قياسياً جديداً كأطول شلل إداري في تاريخ البلاد، متجاوزاً أزمات سابقة، ليُسلّط الضوء على هشاشة أكبر اقتصاد في العالم وتأثيرها الممتد إلى الأسواق العالمية. فمع توقف الخدمات الفيدرالية وفشل الكونغرس في التوصل إلى اتفاق حول الميزانية، تتزايد الخسائر الداخلية والخارجية.
🇺🇸 أولاً: الخسائر الداخلية ومحور الأزمة
تُقدر خسائر الاقتصاد الأمريكي بمليارات الدولارات أسبوعياً، حيث ينعكس الشلل مباشرة على:
• الناتج المحلي الإجمالي (GDP): يتسبب الإغلاق الطويل في انخفاض مباشر وملموس بمعدلات النمو، وسط تحذيرات من دخول الاقتصاد في مرحلة تباطؤ حاد.
• الموظفون الفيدراليون: يضطر مئات الآلاف من الموظفين (ما يقارب 800 ألف) إلى العمل دون أجر أو الحصول على إجازة إجبارية بلا راتب، مما يُضعف الإنفاق الاستهلاكي وثقة المستهلك، وهما محركان أساسيان للنمو.
• تعطيل الخدمات الحيوية: تتوقف عمليات المراقبة في هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC)، تتأخر إصدارات الجوازات والتراخيص، وتتعطل بعض أنشطة مراقبة الحركة الجوية، مما يؤدي إلى فوضى في قطاعات حيوية مثل السفر والتجارة.
🌐 ثانياً: الصدى العالمي وتذبذب الأسواق
لا يقتصر التأثير على الداخل الأمريكي، بل يمتد صداه إلى الاقتصاد العالمي عبر مسارات عدة:
• تآكل الثقة العالمية: يُرسل الشلل السياسي وعدم القدرة على إدارة الميزانية إشارات سلبية قوية حول الاستقرار المالي والسياسي لأمريكا، مما يدفع المستثمرين الدوليين إلى التخارج من الأصول الأمريكية والبحث عن بدائل.
• ضبابية البيانات الاقتصادية: يُؤدي توقف عمل وكالات الإحصاء إلى تأجيل نشر تقارير اقتصادية عالمية الأهمية (مثل تقرير التوظيف الشهري وبيانات التضخم). هذا النقص في المعلومات الأساسية يُعيق صانعي السياسات والبنوك المركزية عن اتخاذ قرارات مستنيرة، مما يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية.
• تقلبات الأسواق المالية: يواجه الدولار الأمريكي ضغوطاً بيعية، ويزداد الإقبال على الملاذات الآمنة مثل الذهب وسندات الخزانة، في حين تشهد أسواق الأسهم العالمية تقلبات متزايدة.
العملات الرقمية: ملاذ أم أصل مخاطر؟
أظهرت العملات الرقمية استجابة مزدوجة للإغلاق الحكومي
• ضغط السيولة: تسبّب الإغلاق المطول في سحب السيولة من الأسواق المالية بشكل عام، بما في ذلك أسواق الأصول عالية المخاطر مثل البيتكوين (Bitcoin)، مما ضغط على الأسعار.
• جاذبية التحرر من الدولة: في المقابل، أعاد الإغلاق إحياء السرد القائل بأن البيتكوين هو أصل محايد غير مرتبط بالاضطرابات السياسية وقرارات الإنفاق الحكومية، مما يجعله جذاباً للتحوط ضد فشل النظام التقليدي.
• الضبابية التنظيمية: كما أدى الإغلاق إلى تعطيل عمل هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) مؤقتاً، مما أبطأ مراجعة الطلبات الحيوية لـصناديق المؤشرات المتداولة للعملات الرقمية (ETFs). هذا التأخير يزيد من الغموض التنظيمي الذي يؤثر سلبًا على معنويات المستثمرين المؤسساتيين في هذا القطاع.
🔮 الخلاصة: رهان على سرعة الحل
يؤكد الإغلاق الحكومي المتواصل أن الاضطرابات السياسية الداخلية في واشنطن لم تعد شأناً محلياً، بل عاملاً حاسماً في استقرار الاقتصاد العالمي. وبينما لم تُظهر الأسواق المالية رد فعل "كارثي" فورياً، فإن استمرار الإغلاق لفترة أطول يهدد بتعميق خسائر الناتج المحلي الإجمالي، وتجميد الاستثمار، وتفاقم عدم اليقين العالمي. يبقى الرهان الآن على قدرة الكونغرس والرئاسة على تجاوز الخلافات لإنهاء الشلل، قبل أن تصبح الآثار السلبية مؤكدة وطويلة الأمد.
