📝 متابعة: الإغلاق الحكومي الأطول.. تسوية اللحظة الأخيرة لا تُمحي فاتورة الخسائر
بقلم / حمادة ربيع اذدحمد
متابعة: من الشلل القياسي إلى تسوية الواجب
في مقالنا السابق، سلطنا الضوء على أن الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة كان يُسجّل رقماً قياسياً كأطول شلل إداري في تاريخ البلاد، وحذرنا من تداعياته على الناتج المحلي الإجمالي وثقة المستثمر العالمي.
لقد انتهت الأزمة، وتوصل الكونغرس والرئيس إلى اتفاق لتمويل الحكومة مؤقتاً في اللحظات الأخيرة لتجنب الهاوية المباشرة. لكن هذا النجاح في إنهاء الشلل لا يعني أبداً إلغاء الفاتورة. هذا المقال المتابع يرصد الحصيلة النهائية، ويكشف كيف أن التسوية المؤقتة هي مجرد تكتيك "لإطفاء الحرائق" يتركنا أمام مخاوف متجددة.
المحور الأول: الحصيلة الفعلية للخسائر الداخلية (مُكمّل للمحور الأول السابق)
بمجرد عودة عمل الوكالات، اتضح حجم الضرر الذي لحق بالقطاعات التي أشرنا إليها سابقاً:
• خسائر الناتج المحلي المؤكدة: بينما كانت التقديرات أولية، أكدت البيانات اللاحقة أن الإغلاق الطويل تسبب في خسائر مباشرة في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع، نتيجة توقف الإنتاج الحكومي وتجميد العقود الفيدرالية.
• الإنفاق الاستهلاكي والموظفون: رغم إقرار الكونغرس لاحقاً بصرف رواتب الموظفين الفيدراليين (الذين عملوا أو أجبروا على الإجازة) بأثر رجعي، فإن الخسارة في الإنفاق الاستهلاكي اللحظي لم تُعوض. فالتأخير دفع مئات الآلاف إلى تقليص مشترياتهم وسداد فواتيرهم بالدين، مما أثر سلباً على حركة الأسواق المحلية.
• تأخير الخدمات الحيوية (الأمثلة التي تحققت):
• الجوازات والتراخيص: استغرق الأمر أسابيع لفك اختناق طلبات الجوازات والتراخيص، مما أضر بخطط السفر والتجارة.
• الرقابة المالية: تأكد فعلياً تأخير مراجعة الطلبات الحيوية لهيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC)، مما زاد من الضبابية التنظيمية التي تحدثنا عنها في مقالنا الأول، خاصة فيما يتعلق بقطاع الأصول الرقمية.
المحور الثاني: الصدى العالمي: تآكل الثقة وتفضيل المرونة
كما توقعنا، لم يقتصر التأثير على الداخل. لقد رسخ الإغلاق الأطول في التاريخ سابقتين دوليتين خطيرتين:
• الضعف المؤسسي: أظهرت الأزمة بوضوح أن الإدارة المالية لأكبر قوة اقتصادية في العالم يمكن أن تخضع لتهديدات متكررة من أقلية سياسية، مما أضعف الثقة العالمية في القدرة الأمريكية على الوفاء بالتزاماتها طويلة الأجل.
• المرونة بدلاً من الأصول الأمريكية: زاد الإغلاق من التساؤلات حول مدى الاعتماد المطلق على الأصول الأمريكية. فبدأ المستثمرون الدوليون والمؤسسات المالية الكبرى في البحث الجاد عن بدائل أكثر مرونة وأقل تأثراً بالاضطرابات السياسية الداخلية لواشنطن، وهو ما يهدد هيمنة الدولار على المدى البعيد.
المحور الثالث: "الورطة المتجددة".. تسوية قصيرة الأجل
المشكلة الأعمق في هذه التسوية هي أنها لم تعالج الجذور. فالاتفاق الذي تم هو مجرد تمويل وهو تكتيك "إطفاء حرائق" يضمن استمرار عمل الحكومة لفترة محدودة جداً:
• وهم الحل: يعتقد الجمهور أن الأزمة انتهت، لكن الواقع هو أن السياسيين منحوا أنفسهم مهلة قصيرة للعودة إلى نفس النقطة والمواجهة مجدداً حول نفس الخلافات (أمن الحدود، حجم الإنفاق، إلخ).
• تآكل الكفاءة الإدارية: أصبحت الموازنة السنوية في أمريكا سلسلة من الأزمات المتنقلة، مما يعيق التخطيط الطويل الأجل ويهدد كفاءة عمل الوكالات.
خلاصة المتابعة: متى يتوقف الرهان؟
إذا كان مقالنا السابق قد وضع الرهان على سرعة الحل، فإن مقال المتابعة هذا يؤكد أن الحل الذي أتى كان ناقصاً ومؤقتاً.
إن الإغلاق الحكومي الأطول يُثبت أن الاضطرابات السياسية الداخلية لم تعد مجرد "شأن محلي"، بل هي عامل حاسم في زعزعة الاستقرار المالي العالمي. ما لم يتم إصلاح آليات الكونغرس وإجراءات الموازنة لضمان عدم تحويل التمويل إلى سلاح سياسي، ستبقى الولايات المتحدة عرضة لهذه الأزمة المتكررة، وستستمر فاتورة الخسائر الداخلية والخارجية في التزايد.
2019
